إلى أصحاب المشاريع الصغيرة: أحرقوا خطط العمل!
- ايمان الموسوي
- Nov 4, 2019
- 3 min read


«احرقوا خطط العمل»، كتبت هذه الجملة بالقلم الأحمر كخلاصة ما تعلمته في كلية «بابسون» الأولى عالميا في ريادة الأعمال، حين رددها العديد من المعلمين والأساتذة كهايدي نك، وأندريو زاكاراكس، وستيف بلانك، وغيرهم ممن سأنقل آراءهم في هذا المقال. كانت صدمتي الأولى عندما عُرّفت الورقة التي نظن أنها الأهم لتمويل المشاريع بأنها «وثيقة لا يقرؤها أحد»! يتطلب بدء أي مشروع جديد كتابة صيغة تقليدية تسمى «خطة عمل BusinessPlan»، لعرضها على المستثمرين أو المسؤولين للحصول على تمويل، يتبعها تكوين فريق للعمل، وتجميع للمصادر اللازمة لإطلاق منتج يتم تسويقه للوصول لأقصى قدر من المبيعات. وغالبا ما تواجه الأعمال الناشئة نكسة ما في إحدى مراحل هذه السلسلة وهو أمر طبيعي، إذ تقدر بعض البحوث التي أجريت في كلية هارفارد أن %75 من المشاريع الناشئة تفشل. يقول الملاكم مايك تايسون حين سئل عن خطته أمام خصومه: «كل شخص لديه خطة حتى يتلقى أول لكمة في وجهه!“. وهو ما يحدث بالضبط حين يجهز المبادر خطته التي صرف عليها آلاف الدنانير، ثم يأتي العميل بصفعة على وجهه عندما يعزف عن شراء منتجه لأي سبب كان!
قص ولصق
عملية إنشاء المشاريع الصغيرة أشبه ببرمجة تبدأ بنزول الإلهام على المبادر بفكرة عظيمة ليس كمثلها شيء يشبهها، ستملأ جيوبه وتغير حياته، ثم يعين جهة للتمويل تطلب منه إعداد دراسة لفكرته، وتبدأ الخنبقة (الرعونة واختلاط الأمور) حين يبحث المبادر عن شخص قادر على صياغة خطة العمل في وثيقة تصف حجم الفرصة، وضرورتها لحل مشكلة في السوق، وشرح الحل الموجود في بطن المشروع الجديد، وعادة ما تتضمن الخطة تنبؤات (فرضيات غير مثبتة) للتدفقات النقدية وحساب الإيرادات والأرباح، وتتضمن المخاطر، والإدارة ودراسات السوق والخطط التشغيلية، وغيرها من البنود. يقوم المبادر بأخذ ذلك التمرين البحثي الأنيق، المدون داخل أحد مكاتب الاستشارات، بمعزل عن العملاء الحقيقيين والذي غالبا ما يحتوي على الكثير من القص واللصق، دون التحقق من صحة الفرضيات المكتوبة فيه، ليسرده كقصة نجاح واعدة أمام الممولين، ثم يحصل على الأموال وفقا للخطة المحكمة، ويبدأ بالتنفيذ بتعيين طاقم عمل يشتغل آلاف الساعات لتطوير منتج وفق خطة مرسومة بأرقام جاهزة مع قليل من دراسات السوق، ليطلق بعدها ذلك المنتج مكتملا. في الواقع، يواجه المنتج المطلق للسوق ردود أفعال وملاحظات جوهرية من العملاء، في حين يجتهد فريق المبيعات والتسويق لدفعه وإقناع المشترين بجدواه وضرورته، وغالبا ما تأتي الصفعة بعد قضاء وقت طويل جدا من الصرف والجهد والتطوير، ليتعلم رواد الأعمال بأصعب الطرق أن العملاء لا يحتاجون الكثير من ميزات أو مواصفات ذلك المنتج أو لربما لا يعجبهم شكله! لقد ظلت هذه القصة تتكرر لعقود من الزمان، حتى توصل الباحثون ورواد الأعمال الواعون إلى أن خطط العمل لا تستطيع التفاعل مع العملاء بشكل يضمن توفير منتج يناسبهم، ومن هنا جاءت حكمة: «اخرج من مكتبك لتجد خطة واقعية» من خلال إشراك العميل منذ اليوم الأول في تصميم منتجه.
مفهوم خطأ
إن الشركات الصغيرة الناشئة ليست شكلا مصغرا من الشركات الكبرى، فهي تنشأ عادة في بيئة ضبابية، ولا يمكن تطبيق الاستراتيجيات نفسها عليها، واستدامتها تعتمد على سرعة تعلمها من الفشل البسيط، وقدرتها على التكيف السريع لتحسين عملها باستمرار بالتفاعل الدائم مع العملاء الحقيقيين. ومع ثورة المعلومات والتكنولوجيا ظهرت مؤخرا أدوات جديدة لمعالجة مشكلة معدلات الفشل العالية في المشاريع الناشئة، هدفها هو تقليل مخاطر الإخفاق من خلال منهجيات واستراتيجيات تعتمد على التجريب عوضا عن التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، وتركز على أساس وضع العميل في قلب عملية تصميم أي عمل، بمعنى أن فكرة المشروع لابد أن تبدأ بالبحث عن مشكلة حقيقية أو رغبة ملحة لدى العميل، ثم تُصمم حلول ذات قيمة تُقدم للعميل ليجربها على شكل منتج أولي بأقل المواصفات «MPV»، ويعدل عليها بعد أخذ ملاحظات العملاء بعين الاعتبار، وبذلك يشترك العملاء الحقيقيون منذ اليوم الأول في تصميم ما يسمى «بنموذج عمل» يتم التعديل عليه عدة مرات حتى يتوازن بتوافر أربعة عناصر هي: رغبة السوق، وجدوى المشروع، واستدامة الربحية، وسرعة التكيف مع المتغيرات المحيطة، وتوازن نموذج العمل هو نقطة جوهرية في نجاح أي مشروع.
رسالة
على جهات التمويل ورعاية وتنمية المشروعات الصغيرة أن تدرك أن معالجة المشاريع الناشئة بالخطط بعيدة المدى تعتبر ضربا من الخيال ومضيعة للوقت والجهد والمال، وأن النجاح في الحصول على أرباح مستدامة من المشاريع الناشئة لا يمكن أن يتحقق بإعداد خطط عمل للتنبؤ بمجهول كامل! وآن لها أن تأخذ بأدوات ريادة الأعمال. للمزيد:
תגובות